Translate

تلك الفتاة التي لو خلقت رجلا ...أدبت الجميع

تكتشف بعد انقضاء العمر بأن هناك الكثير مما لم تكن تفهمه وقتها

أو لأجعله مستساغا أكثر، ثمة أشياء كثيرة تتجاهلها بدون رغبة منك بتفسيرها....لا تقوم بتحليلها وكل ماتقوم به هو أن تركنها في زاوية بعيدة على أمل أن يأتي يوم ما، وتستطيع فهمها...


تمضي بنا  السنين مسرعة ونحن صغارا، نتعجل النضج بطريقة لم تكن مختلفة عما سبقونا..في التاسعة نتظاهر باننا في العشرين،  حين نصل للعشرين نتعجل تلك الخمس والعشرين حتى يمضي العمر بعدها ثم يقف متمهلا ...يسترد ماتبقى من أنفاسه...ويلفظ مابقي من شبابه على عتبة الأربعين..

تلك الأربعين المقيتة....!!

لم أستعجلها كما استعجلت كل السنوات التي سبقتها

ولم أرغب بوصولها..

ولم أعلم ماذا سيكون بها من مفاجئات و أحداث لم تكن يوما في الحسبان

تلك الاربعين المقيتة التي تحيل كل شخص في بلدي الى ذلك الشيخ (المطوع) ولا اعرف لماذا؟

تلك الاربعين المتعبة التي تصفعنا بنفس القسوة لكي نفتح أعيننا

لنصحو من حلم الطفولة

وشبق المراهقة 

وطيش الثلاثينيات

الى فاجعة استدراكنا لوصولنا لمنتصف العمر الا قليلا

اعترف بأن عمري السابق قد تبعثر مابين محاولة اكتشاف ذاتي، واثبات من انا للناس

وانفتق عقد سنوات عمري كحبات تناثرت منذ دخولي للثلاثينات

كنت اظن بأنها المرحلة الذهبية لاكتشاف الكون المحيط بي ومعرفة مهمتي على الأرض

لكني قضيتها في محاولة لملمة انكساراتي، وتجميع ماتبقى من شتاتي

اكره تلك الثلاثينات رغم عشقي لها سابقا

******

لازلت اعشق الحلوى، كطفل لم يفطم بعد

لاتهم السنين ان كان قلبك لايزال شابا- هذا ماتعلمته من الأوليين ولكن قلبي لايزال طفلا

لم يكبر قلبي أبدا ولم أحثه بجهد على ان يتخلى عن طفولته العابثة أبدا

أحببت شباب روحي، ولازلت... رغم كرهي المبطن لي.

اعرف بأنه لو ينقضي بي العمر سأبقى بتلك الروح النابضة المتقدة حتى وان اصابها بعض الخدوش من اثار جراحي السابقة

أسوا مافي الموت ليس ان تموت، لكن ان تكون من ضمن الاحياء!

نحن كأحياء، الجرحى السائرون بجراحنا المثقلة باحزان وفقد وفاجعة وألم لايمكن تصويره

نحن السائرون على درب نعرف تماما بأننا سنواجهه لكننا نفضل تعذيب أرواحنا بذكرى الراحلين

وأنا بالذات كان انكساري عظيما ..جعلني أكمل بقية الدرب بقدمين مقطوعتين وقلب مثخن بجراح الفجيعة وصبر لايحمله احد في هذه الأرض

أتفقد يوميا مكان النبض في ذراعي ورقبتي...

اؤكد على تفسي بأنني لازلت أتنفس....أتالم واشعر

المقولة القديمة التي تفيد بانك كلما قرأت اكثر، تعلمت أكثر..لامكان لها في بلادي

بلاد العيب سابقا وبلاد العهر حاليا

كلما تعلمت اكثر، ستزداد معاناتك لأنك تعي وتفهم 

وتكتشف وقتها فقط بأن الجهل نعمة

يارب ليه ماكنت أحسد هؤلاء الأميين وقتها؟ ليه كنت أذوب خجلا من ان يعرف أحد بأن من منحوني ذلك الحب اللا مشروط....لم يهتموا لهراء القراءة وقتها

كانوا دكاترة في الحياة...كانت الحياة أكبر معلم لهم

وكانت الكتب وسلتي لاظهار جهلهم!

سامح الله غبائي 

وعفى عني تقصيري بحقهم

...

في تلك الأربعينية......

انقضت منها سنتين لاثبات انني لا اشابه هؤلاء في بلدي

المتحولون الى شيوخ ومطاوعة

لهؤلاء الذين ينتقدون كل شيء بحجة النضج

ومضت ثلاثينياتي بين محاولة فهم ماغدوت عليه 

اعتزمت ترميم نفسي متاخرا

لكنها الاربعين ياسادة

يجب ان ارمم ماتبقى مني

واثبت لنفسي بأني لاحاجة بي لاثبات اي شيء لأي احد مهما كان 

وقد كان 

أقضي أيامي مابين كوب قهوتي، وصباحي الهادء الا مني..ومن افكاري الماضية 

محاولا مسح ماتجمع في ذاكرتي من رواسب علقت به من تلك الديار

يؤسفني الا افخر ببلادي، ويؤسفني ان لا أذكر منها سوى الجراح التي لم استطع نسيانها

تمنيت فعلا أن انطق باسمها وانا كلي فخر..مثل هؤلاء الاطفال المغرر بهم حاليا...لكني كلما نظرت الى شيء جديد عاجلتني ذكرى الغبن والقمع والاضطهاد

لا استطيع نسيان ماحدث واستبداله بفكرة (فخري لكوني من تلك البلاد)

لازلت اشعر بالعار لانتمائي لها، رغم جلالة ماكتب على علمها الا انها لم تترك بي ذكرى حسنة أبدا

ولأول مرة اليوم منذ سنين طوال، اذرف دمعا وانا اكتب كلماتي تلك

حزنا على وجود قبور احبابي تحت ثراها

الشيء الوحيد الذي كان يربطني بتلك الاماكن، هي قبورهم فقط

واما انا؟ فعابر مر بها رغما عنه...لم تعجبه الاقامة بها يوما ما فقرر الرحيل 

ولازلت احاول اثبات (ان رحيلي لم يكن طلبا لسوء) ولم يكن بغرض حرية زائفة

كتلك التي يتشدقون بوجودها لديهم حاليا..

كان رحيلي اشبه بهجرة سيدنا ابراهيم هربا من قوم كافرين

اعرف يقينا بأنني مختلف

واعرف بان داخلي ايمان لم تزعزعه ظروف العائلة ولاتقصيرها الديني

واعرف بأن ارتحالي كان طلبا لسكينة لم أجدها حتى في اضيق مكان في تلك الديار... حمام غرفتي مثلا

اعرف بأن رحلتي منذ بدايتها كانت مخططة من قبل الخالق

وجودي اصلا على هاذه الحياة كان بأمر منه تعالى

حين قال كن.... فكنت

واتيت للعالم هذا حاملا (لولب) امي معترضا على قرارها ووالدي بالامتناع عن الانجاب

كنت اشارة منه بأن القرارات السماوية تلغي كل قراراتنا الدنيوية حتى لو خططنا لهما جاهدا...أن نوى الا تكتمل...فلن تكتمل الا باذنه

انا مشعل.... الذي سمى نفسه بالوطن لانه لم يحس بانتماء لاي مكان 

وان كان انتمائي لنفسي كوطن سيقيني من التشرد في بلاد العالم

أنا وطن نفسي

كنت وطنا للجميع 

ولم يتطوع احد ليجعلني احس بأني انتمي لأحد

..

انا تلك الفتاة التي لو خلقت رجلا كما تمنت امي وقتها، لأدبت الجميع برجولتي

وانا نفسها تلك التي لم تنكر انوثتها لكن...ابقتها سرا في مجتمع لايرحب بالضعف..ولا الانوثة ولا بأي شيء اطلاقا

انا الان الرجل الذي كنت اتمنى ان اكونه...

الرجل الذي حبسته داخلي سنين طوال لألا يوصمني أهل تلك الديار بالشذوذ

وانا هو نفسه الرجل الواقع في غرام ذلك النصف الانثوي المختبيء بداخلي

انا الشخص الذي لم يعرف موقعه في المجتمع...

ولكنهم سيسمعوني

ويعرفوني يوما ما


2021

كل ماكنت أراه أمامي، لم يكن حقيقيا البتّة.. انا البالغ من العمر أربعون عاما انقضى معظمها في محاولة التشبث بأرض صلبة أبقي عليها أقدامي أمام الضغط الهائل ممن سبقوني الى تلك الحياة...كفأر تجارب ألقيت عليه كافة الاختبارات الحياتية من قبل أناس لم يبدأو عيش حياتهم للتو...كنت أنا مايسمّـى بالجعدة..



اعود لمخبأي بعد غياب طويل...تعدى السنوات الغابرة التي أكلت من عمري ولم تزدني سوى حنكة بعد فوات الوقت 

أنا نفس الشخص الذي كتب كل ماسبق في لحظات تفكير وحنق وضعف رغبة في اكتشاف ذاته..

انا الان رجل ناضج بلغ من عمره عتيا ليصل لمرحلة الرجولة تلك..وان كانت متأخرة بعض الشيء 


 انا الجعدة اللي حظه خلاه أصغر الافراد..وماعرف دوره بالحياة بسبب كثرة الاشقاء والشقيقات قبله..

انا الفرد الصغير الذي كان في يوم ما فرحة لكل الافراد، مفطر أمه برمضان و كانت امه الوحيدة اللي عرفت بأنه (رحمة من الله) لولا ظروف المجتمع السيمة تلك..

انا اصغر فرد بالعايلة واللي تمنت امه مرارا وتكرارا لو خلقه الله ذكرا حين تكوينه...بدلا من ان يكون انثى لا صوت لها..وان علا صوتها لابد له من أن ينحني أمام قوامة الأشقاء..

أنا الشخص الذي تنبأت جميلة بأنه سيكون مظلوما في بقية حياته...وأعدته ليكون أقوى فرد بتلك العائلة أجمعين....

أنا المشعل الذي أطفأته تقاليد العائلة، ونزوات الاخوان، وانانية العائلة ايضا...

انا الطيب القلب الذي لازالت طيبته عيبا من عيوبه...وليس عندي استعداد لان اغير هذا الشيء..

 انا كل الالقاب التي اسميتها نفسي لأصل لنفسي ..وماوصلت ..

انا مشعل 

الذي يهمس الان بصوت مسموع لنفسه

(عودا حميدا.....) 

اشتقنا لك 

انا والقابك وافكارك وروحك وحاضرك

ساحاول العودة من جديد للفظ ماتبقى من انفاس افكاري هنا

فهو المكان الوحيد الذي يحتويني حاليا بعدما فقدت المعنى الحقيقي للاحتواء



رحمة ونور يشع على قبور الراحلين

ولقاء بالجنات يا ارحم الراحمين 

و نضج متأخر يليه مسئولية التبليغ

ويوم هادئ مشمس....ونصف سيجارة تحترق على مهلها وهي تستلقي بجانبي

....




مابين فكرة الانتقال الى موقع اخر 

و اكمال مابدأته هنا يوما...




لي عودة 



2021